هوس من اول نظرة بقلم ياسمين عزيز
المحتويات
هاتفها من جيب معطفها الطبي
الأبيض الذي يناقض لون قلبها الأسود ثم
ضغطت على عدة أرقام تحفظها عن ظهر قلب
و ما إن اجابها الطرف المقابل حتى أسرعت
تسأله..
إنت فين...تمام إستناني هناك و متتحركش
عاوزاك ظروري .
أغلقت الخط دون إهتمام بإجابته فهي تعلم
جيدا أنه لايمتلك حلا آخر سوى الرضوخ
و من غيره ذلك المبنج الفاسد صابر عزمي
الذي تم طرده من قبل أكثر من مستشفى
خاص بسبب سرقاته المتكررة للأدوية و
بيعها في السوق السوداء باضعاف ثمنها
و كذلك تحرشه بالممرضات و الطبيبات
أثناء مناوباتهم الليلية و تم حپسه لمدة عامين
ثم خرج ليلتقي بوفاء عن طريق زميل
تعيينه في المستشفى....
دلفت وفاء الكافتيريا ثم بحثت
عنه لتجده يجلس في ركن منزو بعيد عن الانظار
ېدخن سېجارة و عيناه تلتهمان أجساد النساء
بشراهة....
لوت ثغرها بسخرية على مظهره المثير للاشمئزاز ثم أخذت طريقها نحوه... إنتبه لها ليعتدل في جلسته
وفاء..إنت مش هتبطل حركاتك الژبالة اللي
بتعملها دي...عاوز ترجع للسجن ثاني...
إبتلع صابر ريقه و تلون وجهه بألوان الطيف
متذكرا أيامه الصعبة التي قضاها داخل السچن
ليحاول التحدث معتذرا..
أنا...ممم
قاطعته وفاء بنبرة حازمة..مش عايزة مشاكل
بسببك ياصابر متنساش إننا اللي دخلتك المستشفى و بإشارة صغيرة مني هتلاقي نفسك برا.. و دلوقتي
غيرك اللي هيخلصهالي .
رمقها صابر باستغراب متسائلا..مصلحة إيه
إنحنت وفاء نحوه إلى الأمام قليلا لتهمس له
بصوت يكاد لايسمع..عاوزاك تجيبلي أنواع
الأدوية دي من غير ماحد يشوفك.
حركت يدها بخفة ثم وضعت في كفه ورقة صغيرة
ثم قلبتها ليغلق صابر يده بسرعة و هو يومئ لها
ماتخفيه هذه الافعى التي تجلس أمامه و التي سرعان ما قطعت أمامه الطريق معلنة..
ملكش دعوة بأي حاجة...إنت تجيب الأدوية
و بس... ممم و متقلقش عمولتك محفوظة
ساعتين كده و هكلمك ثاني تكون عملت اللي
قلتلك عليه...
نظر صابر حوله مليا قبل أن يفتح قصاصة
صوت و هو يقرأ أسماء الأدوية المدونة عليها ...و ما أن إنتهى حتى ضم الورقة داخل كفه الذي كان يرتعش دون إرادة منه...
تمتم بداخله و هو ينظر في أثرها بشرود..
ياترى ناوية على إيه الحية دي..و هتعمل إيه
بالأدوية دي هي ناوية تخدر حد و....
غادرت وفاء الكافتيريا بعد أن أخذت كوبا
كبيرا من القهوة الساخنة و عادت للمكتب...
تفاجأت عندما وجدت أمامها إنجي التي كانت
خارجة للتو من عند هشام لكنها سرعان ماتمالكت
نفسها مرتدية قناع الطيبة...
وفاء بزيف..إنجي إنت هنا و أنا بقول المستشفى
منورة ليه يا أهلا وسهلا .
ضحكت إنجي باستهزاء ثم كشرت في وجهها
قائلة..
لا بجد برافو...بصراحة أنا كمان لو مكنتش عارفاكي
على حقيقتك كنت إنخدعت فيكي زي هشام.
تظاهرت وفاء أنها مصډومة من كلامها هاتفة
باستغراب..أنا مش فاهمة إنت بتتكلمي عن إيه
إنجي بتوضيح..ياحرام و عاملة نفسك بريئة
أوي.. إنت عارفة كويس انا اقصد إيه بس مفيش
مشكلة انا فاضية و موارييش حاجة أعملها
عشان كده هوضحلك....
وضعت إنجي سبابتها أعلى صدر وفاء ثم دفعتها
بقوة لتتراجع الأخيرة للخلف بعد
أن فشلت في
تفادي هجوم إنجي التي أضافت مھددة..
هشام بتاعي أنا.. تقدري تقولي إنه ملكية خاصة
و أنا مش متعودة أسيب حاجتي لأي حد فأحسنلك
تنسحبي بهدوء و مين غير شوشرة....تسافري أمريكا
هولندا.. السودان.. مش مشكلتي المهم إنك تطلعي برا حياتنا خالص و إلا....
لم تكن وفاء بغبية أبدا بل فهمت بسرعة تلميحات
إنجي خاصة عندما ذكرت سفرها نحو الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي لايعلمه سوى شريكها
الغامض الذي تحدثت معه في مكتب هشام في تلك المرة...لمعت عيناها بتحدي مماثل بعد أن أصبح
كل شيئ واضحا إذن لاداعي التمثيل بعد الآن..
هتفت بنبرة مستهزءة و هي تراقب باب المكتب مخافة أن يفتح و يكتشف هشام حقيقتها ..
و إلا إيه يا صغنن...
إنجي بشراسة..تؤ...مقدرش أقلك هخليهالك
مفاجأة أصل انا مش بحب الكلام الكثير و على
طول بنفذ...
وفاء و هي تشهق بادعاء..مش معقول...يعني
إنت كمان زيي بتنفذي على طول بس بليز متتأخريش عليا أصلي بمۏت في المفاجأت
عن إذنك يابيبي .
دفعتها جانبا حتى تمر ثم فتحت باب المكتب و دخلت غمزت إنجي قبل أن تغلق الباب تاركة
إنجي تنظر في أثرها پغضب بسبب برودة أعصابها
و حديثها المستفز.
في القصر و بعد مرور أسبوع على إختفاء يارا...
تحولت نظرات الجميع نحو صالح من لائمة و محتقرة إلى أخرى تملأها الشفقة على حاله الذي
إنقلب مائة و ثمانون درجة منذ غيابها...
طوال الليل و النهار يظل هائما يجوب الطرقات
بحثا عنها و لايعود سوى فجرا لينام بضع سويعات
في سيارته ثم يعود من جديد للبحث عنها.. كلف مئات المخبرين السريين لكنهم لم يجدوا شيئا حتى الآن... كاميرات المراقبة لم تكن الأخرى مفيدة و خاصة أغلب الجيران لم ترصد شيئا...كان هادئا بشكل
غريب حتى أروى التي كانت لاتنفك تسمعه كلاما
مسمۏما كلما رأته... أشفقت عليه و لم تعد تحدثه...
لم يره احد يأكل او يشرب...حتى قاعة الرياضة التي كان يسكنها لساعات لم تطأها قدماه منذ أسبوع.
سيف فريد هشام...الجميع كانوا يبذلون قصارى
جهدهم لمساعدته...ريان شقيقها.. والدها حتى
ميرفت التي نسيت مكانتها و صورتها أمام مجتمعها الراقي و أهملت نفسها كليا نسيت و لأول مرة في حياتها حتى بانت عليها علامات التقدم في العمر...
سناء التي لا تتوقف عن البكاء...القصر تحول لصحراء
قاحلة لا يسمع فيه أي صوت...
الثالثة فجرا أطل سيف من شرفة جناحه
عندما سمع صوت سيارة صالح تعبر بوابة القصر...
عاد للداخل ثم ألقى نظرة على سيلين النائمة
و توجه نحو مطبخ الجناح ليأخذ حافظة الطعام
التي طلب من فاطمة تحضيرها قبل سويعات.
نزل الدرج و منه إلى حديقة القصر حيث ركن
صالح سيارته...
توجه نحو باب السيارة الاخر و ركب إلى جانبه
فتح إحدى العلب و وضع فيها الملعقة و ناولها
لصالح و هو يقول له..
لازم تاكل عشان تقدر تقاوم...
أبعد صالح الطبق من أمامه ثم أراح جسده على متكئ الكرسي و يغمض عينيه طلبا للراحة التي لم تزره منذ أن غابت روحه عن ناظريه...دموعه إنسابت
على وجنتيه لتشق طريقها و تختفي هي الأخرى
بين شعيرات ذقنه التي طالت...مما جعل سيف
يغمض عينيه بأسف فإبن عمه لم يكن من الأشخاص
الذين يظهرون ضعفهم أمام أي أحد ...يبدو أن
طاقته بدأت تنفذ و حاجز القوة الذي كان يتوارى
خلفه إنهار...
رآه يحرك شفتيه الجافتين عدة مرات قبل أن
ينجح بصعوبة في تشكيل بضع كلمات نطقها
بصوت مهزوز..
أنا حاسس... إني.. ه.. ھموت...
أصدر سيف شهقة تدل على إسنكاره مما سمعه
منه قبل أن يجيبه على الفور..
كفاية هبل و إجمد...إن شاء الله
هتلاقيها
و قريب اوي كمان .
ضړب صالح رأسه على متكئ الكرسي
عدة مرات متمتما بهذيان..
ضاعت خلاص...يارا راحت مني و مش هترجعلي
ثاني...
إختنق بدموعه ليسعل عدة مرات قبل أن يفتح
باب السيارة و يرتمي على الأرض و يبدأ في
التقيأ....
أغلق سيف حافظة الطعام بيأس ثم إنتظره حتى إنتهى بعدها نزل من السيارة
و أسنده بغية أخذه إلى جناحه لكن صالح رفض
جسده كان منهك من قلة الطعام و النوم لينزلق
من بين ذراعي سيف و يرتطم بالارضية...
عاود سيف رفعه من على
الأرض من جديد
و هو ېصرخ فيه بحدة..
فاكر إنك بكده هترجعها... بص لنفسك بقيت عامل إزاي مش قادر حتى تمشي على رجليك إنت لازم
ترجع قوي عشان تقدر تلاقيها....
صوته لهاثه كان قويا بسبب المجهود البدني الذي
بذله في تلك الخطوات القليلة...حرك قدميه بصعوبة
تاركا ثقل جسده على سيف و هو يهمهم بكلمات
مبعثرة..
خاېف عليها اوي..أنا... أنا وحش عشان كده
هربت... ضړبتها و هي حامل...كنت ھموت إبني...
و هي راحت ضاعت مني..أنا خاېف عليها اوي سيف
هي ملهاش أي أصحاب تروحلهم و قرايبها كلهم
ميعرفوش عنها حاجة...خاېف يكون حد أذاها
يمكن تكون مېتة...أنا السبب روحي راحت مني
ياسيف ..أنا السبب....
فجأة دفع سيف عنه بماتبقي من قوته و أخذ
يضرب وجهه و يديه بقوة على الحائط كالمچنون
حتى سالت دماءه و هو لا يتوقف عن الصړاخ
و ترديد أنه السبب في رحيلها...عدة ثوان تحولت
لدقائق و سيف يحاول بكل قوته أن يمنعه
لكنه لم يستطع حتى سقط صالح على الأرض
بعد أن خبت قوته و أنهكت...
جلس سيف أمامه على ركبتيه و إحتضنه
بقوة ليجهش صالح بالبكاء دون صوت فقط
دموعه إنفجرت تعبر عن مدى ضعفه و حزنه و ندمه
شيئ ما بداخله يخبره أنه لن يراها ثانية...
في حارة الواد بندق أين تعيش سارة عبدالهادي....
تمايلت أم إبراهيم بجسدها الممتلئ و هي تحمل
في يدها كوبا من عصير البرتقال الطازج ثم إتخذت
مكانها بجانب يارا التي ما إن رأتها حتى إنزلقت
بجسدها داخل الكرسي و تعالت ضحكات الشقيقتات عليها ...
أم إبراهيم و هي تناولها الكوب..
إنت نسيتي تشربي العصير بتاعك .
قوست يارا شفتيها موشكة على البكاء و هي تضع يدها على معدتها الممتلئة بالطعام قائلة برجاء..
أنا هشربه بعدين ياطنط....
أم إبراهيم بإلحاح..
أشربيه دلوقتي و انا هبقى أعملك غيره بعد شوية
مش كفاية إنك متغديتيش كويس.
نظرت يارا نحو سارة پذعر قبل أن تنطق..
حرام عليكي ياطنط أنا بطني شوية و ھتنفجر
إنت مأكلاني متر ممبار و طبق فتة بحاله.
أم إبراهيم و هي تمصمص شفتيها قائلة بعتاب
دي البت
مليكة عندها عشر سنين و بتاكل أكثر منك...متنسيش إنك حامل و لازم تاكلي كويس
إنت دلوقتي مش لوحدك جواكي روح ثانية لازم تاخذي بالك منها.
أخذت منها الكوب و ترشفت منه قليلا حتى
تتخلص من زنها..فمنذ أن أخبرتها سارة بأنها حامل
و هي لا تتوقف عن إعداد الاطعمة و المشروبات
لها بل و تجبرها على الاكل كل ساعتين ...تجزم
يارا قد زادت أكثر من خمس كيلوغرامات خلال
الاسبوع المنصرم...
إهتمامهم المفرط بها أشعرها بالراحة و الطمئنينة في هذا المنزل الدافئ
و كم تمنت لو أنها تستطيع مكافأتهم و رد جميلهم لكنها للأسف لا تمتلك
شيئا...حتى الثياب التي ترتديها إشترتها لها
سارة و لاتستطيع الاتصال بعائلتها خوفا
من أن يجدها صالح او آدم و فاطمة و كل منهم
لايقل خطړا عن الاخر بالنسبة لها...
الهدوء
متابعة القراءة