و بقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


المرتعشتين وركبت بحذر السيارة ..
أغلق الباب خلفها بهدوء ثم تحرك ليركب في مقعد القائد ..
التصقت إيثار بباب مقعدها وتحاشت النظر إليه ..
وزع مالك نظراته بينها وبين الطريق ولاحظ تلك الإرتعاشة الخفيفة التي تصيبها..
ظن أنها تفتعل هذا لتثير تعاطفه فرمقها بنظرات ساخطة ثم هتف متساءلا بقسۏة من بين أسنانه 
كنتي رايحة فين على كده 

ردت عليه بصوت خاڤت 
أنا .. أنا كنت راجعة البيت
مط شفتيه ليقول بسخرية 
ممم.. مروحة لجوزك تلاقيكي أصلا مش على باله !
لم تجبه .. بل حاولت ضبط انفعالاتها أمامه لا تريد إظهار ضعفها ولا حزنها كي لا يزيد من قسوته وتهكمه منها ..
أغاظه صمتها فتابع بجمود 
انتي رايحة فين عشان أوصلك ما هو أنا مش هاعرف بيتك بنفسي !
ردت عليه بصوت خاڤت وشبه مخټنق وهي محدقة في الطريق أمامها
أنا .. أنا رايحة عند بيت أهلي
هز رأسه بتهكم وأكمل قائلا 
أها .. سايبة عندهم ولادك زي أمهات اليومين دول ماهو أكيد جوزك مش هايكون فاضي يقعد بيهم ! تفكير عملي إنتي وهو تشتغلوا وأهلك يربوا عيالكم
أغمضت عينيها قهرا من كلماته الچارحة هي لم ترزق بعد بالأطفال والشيء الوحيد الذي كانت سيشعرها بأمومتها ضاع منها قبل أن تستمتع به بسبب عڼف طليقها معها ..
أدمعت عيناها وقاومت بصعوبة ذرفها أمامه
الټفت ناحيتها وحل عليه الذهول ..
أقسم لنفسه أنه رأى دمعة عالقة في أهدابها ..
دمعة أحدثت أثرا في نفسه وزلزلت كيانه فجأة ..
حالة من الوجوم سيطرت عليه حينما تأكدت شكوكه ورأها تنهمر من طرف عينها لتبلل وجنتها ...
مدت أناملها لتمسحها سريعا .. ثم همست بصوت شبه متحشرج 
أنا هانزل هنا احنا وصلنا خلاص
أوقف السيارة بهدوء فترجلت سريعا منها دون أن تشكره لمساعدتها وأسرعت في خطاها لتبتعد عنه ..
راقبها بنظرات مثبتة عليها لم تستطع عيناه أن تفارقها ..
شيء ما يجبره على التحديق بها ..
لمح طفل صغير يركض ناحيتها وهي تفتح ذراعيها لتتلقفه فظن أنه ابنها الصغير فزفر بضيق لمتابعته إياها وتخطيه لحدود التعامل الجاد بينهما ثم أشاح وجهه بعيدا واستدار بسيارته عائدا إلى فيلته ...
أنزلت إيثار الصغير ورحبت بوالدته التي كانت جارتهما في البناية القريبة ثم تبادلت معها حديثا سريعا وتركتها وصعدت إلى منزلها ..
..
تمددت روان على فراشها وحدقت في سقفية غرفتها وشردت تفكر فيما حدث مع عمرو في الحافلة ..
كان موقفه رجوليا مليئا بالشهامة والأصالة رأت نفسها تبتسم عفويا من شجاعته .. ثم سريعا نبهت نفسها بخطأ التفكير فيه دون داعي ..
أغمضت عينيها لتغفو وهي تشعر بشيء
غريب .. لكنه كان مريحا بدرجة كبيرة ..
.
جاب مالك غرفته ذهابا وإيابا وهو يفكر فيما كان يمكن أن يحدث لإيثار ..
لم يجد أي تفسير منطقي لإندفاعه لنجدتها فورا حينما رأها في مأزق خطېر وشابين غير طبيعين يحاولان التحرش بها ..
فكرة أن يضع أحدهم يده عليها أصابته بالعصبية والڠضب ..
حاول السيطرة على نفسه .. وعاتب نفسه لتفكيره بها بتلك الطريقة ..
هي لم تعد لك لا تخصك أصبحت زوجة أحدهم هي خانتك كانت مخادعة طامحة وراء المال ..
أخذ يردد تلك الكلمات لنفسه ليقنعها بسوء نواياها ..
لكن أبى قلبه أن يصدق هذا .. 
تذكر تلك العبرة التي رأها ..
لم يتوهم هذا ..
لقد كانت تبكي وتخفي هذا ..
نفخ بحنق واتجه إلى غرفة صغيرته ليجلس إلى جوارها ..
كانت نائمة كالملاك فتحسس بشرتها برفق وانحنى ليقبلها من وجنتيها ..
ثم ضمھا إلى صدره وظل يهدهدها بحركات هادئة وهو يداعب أصابعها الصغيرة حتى غفا هو الأخر ..

مرت عدة أيام وإيثار تثبت يوما بعد يوم أنها ماهرة في عملها كمربية للصغيرة ريفان .. تشكل بينهما رابطا وثيقا وتعلقت بها الصغيرة كثيرا
كذلك لم تتخط حدودها في التعامل مع مالك وحافظت على وجود ذلك الحاجز بينهما وبالرغم من حصوله على رقم هاتفها إلا أنه لم يطلبها ولو لمرة واحدة واكتفى بإملاء أوامره عليها في حال غيابه عن طريق راوية ..
وذات يوم عاد مالك مبكرا من عمله فوجد الاثنتين تلعبان سويا في حديقة فيلته ..
راقبهما من على بعد ..
شعور غريب سيطر عليه حينما سمع ضحكات الاثنتين تعلوان بمرح وسعادة ..
خفق قلبه وتسارعت دقاته ..
رأى غمازتها التي عشقها يوما استشعر دفئا نابعا منها وهي تداعب صغيرته ..
تعلقت بها عيناه وأشرقتا من جديد وكأنهما كانت تحترقان شوقا لها فبات أسيرا لتلك الهالة المحيطة بها .. 
أسرع بإبعاد عيناه
عنها وجلس على المقعد المنزوي في جانب الحديقة دون أن ينبس بكلمة ..
لمحت طيفه إيثار فتبدلت ملامحها للإنزعاج .. وأولته ظهرها وكأنه غير موجود
هدأت الصغيرة بعد لعبها المتواصل واقتربت منها لتطلب تناول الطعام فابتسمت لها إيثار وأجلستها على حجرها وقامت بإطعامها بعاطفة صادقة ...
رن هاتفها برقم أخيها عمرو فأجابت على اتصاله قائلة بهدوء 
ايوه ! خير .. !
صمتت لتستمع إليه ثم أكمل بجدية 
طيب أنا جاية حاضر هنعدي عليه سوا ماشي هستناك هناك !
اصغى مالك لمكالمتها متعمدا وظن أنها تتحدث مع زوجها فتحول وجهه للعبوس وانطفأت نظراته وتبدلت للقتامة ..
أنزلت الصغيرة من عليها وأمسكت بكفها ثم اقتربت منه وأردفت قائلة بحذر 
ينفع أمشي بدري
نظر لها بإستعلاء وهو يسألها بإختصار 
ليه 
ارتبكت وهي ترى نظراته نحوها وأجابته بتلعثم 
آآ... عندي ظروف ومحتاجة أمشي الوقتي
اعتدل في جلسته ونظر لها بقوة وهو يردد بصوت صارم 
وريفان !!!
ردت عليه بخفوت 
هي أكلت وخدت شاور وشوية وهايجي ميعاد نومها
نظر في ساعته وتابع بصوت غليظ 
بس لسه بدري
استشعرت من حديثه أنه على وشك رفض طلبها فهتفت قائلة بجدية 
حضرتك تقدر تخصم الوقت اللي هامشيه من مرتبي !
نظر لها شزرا وهتف بصوت يحمل الإهانة 
امشي ! هاتي البنت !
نظرت له بضيق وردت عليه بصوت مقتضب 
اتفضل !
أخذ منها الصغيرة ورفعها عن الأرضية العشبية لتجلس على حجره ثم أشار لها بكفه لتمشي ..
تحركت مبتعدة عنه وعلقت حقيبتها على كتفها ثم سارت مسرعة نحو الخارج ...
نظر مالك لابنته بحنو ثم تمتم لها بخفوت 
ايه رأيك لو نروح نقضي اليوم عند عمتو 
نظرت له ريفان ببراءة فانحنى ليقبلها وضمھا إلى صدره بقوة ثم
تهض حاملا إياها بين ذراعيه ..

صف مالك سيارته على مقربة من بنايته القديمة حل حزام الأمان خاصته وأوقف محركها ثم شيئا إلهيا دفعه للنظر أمامه فحدق في المدخل بإندهاش ..
لقد كانت إيثار ..
اتسعت عيناه قليلا .. 
لم ير وجهها بل لمحها من ظهرها وهي تسير إلى جوار أخيها وأمامهما رجل غريب ..
ظن أن هذا هو زوجها فحل العبوس على وجهه وانقبض قلبه إلى حد ما ونفخ بحنق ..
لم يعرف لماذا أصابه كل هذا الضيق حينما رأها معه .. هو يعلم أنه أغلق باب كل ما يتعلق بالحب ...
أخذ نفسا عميقا وزفره ببطء ليستعيد هدوء نفسه ثم اندفع خارج السيارة وفتح الباب الخلفي ليحمل صغيرته ..
تباطيء في خطواته حتى يضمن صعود ثلاثتهم فلا يلتقي بهم .
رحبت ميسرة بإبن أخيها ترحيبا شديدا وعاتبته وهي تقبله من وجنتيه 
بقى كده يا مالك تنسى عمتك وجوز عمتك نهون عليك
رد عليها بهدوء وهو يحتضنها 
لا والله ده انتو مكانكم في القلب !
سألته ميسرة بإستفهام وهي تطالعه بنظراتها الحنونة 
أومال مابتجيش ليه زي الأول 
أجابها بتنهيدة إنهاك وهو يرسم ابتسامة مصطنعة على ثغره 
مشاغل يا عمتو !
ثم عقد ما بين حاجبيه ليتابع بضجر 
وبعدين انتو مش عاوزين تيجوا تعيشوا معايا في الفيلا !
رد عليه زوج عمته قائلا بصوت جاد 
لا يا بني
ده بيتنا ومش معقول بعد العمر ده كله نسيبه ونروح نقعد في مكان تاني !
الټفت مالك نحوه وهتف برجاء 
يا عمي ده الفيلا متوضبة وواسعة وآآ..
قاطعه إبراهيم بنبرة عنيدة 
احنا مرتاحين هنا !
وضعت ميسرة كفها على كتف مالك وابتسمت له

قائلة بهدوء 
سيب عمك ابراهيم على راحته وطمني عليك إنت !
رد عليها مبتسما 
أنا بخير الحمد لله
سألته ميسرة بإهتمام وهي ترفع حاجبيها للأعلى 
وريفان عامل ايه معاها 
رد عليها بتنهيدة مطولة 
أهي زي ما انتي شايفة
داعبت روان الصغيرة بمرح وهتفت بسعادة وهي تركض خلفها لتمسك بها 
بنتك دي عسل يا مالوك أنا بأعشقها
رد عليها مالك بإبتسامة 
وهي بتحبك يا روني !
أضافت روان قائلة بتحمس بعد أن حملت الصغيرة على ذراعها 
أنا جبتلها لعبة جديدة هاروح أوريهالها
رد عليها بصوت رخيم وهو يشير بعينيه 
عيشي حياتك معاها !
هتفت ميسرة بصوت أمومي ناعم وهي تربت على ظهر ابن أخيها 
طب خش ارتاح انت في أوضتك يا حبيبي لحد ما أحضرلك الغدا
الټفت برأسه نحوها ورد عليها بفتور 
ماشي يا عمتي مع إني ماليش نفس والله !
حركت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار 
لالالا مش هاقبل أي حجج إنت النهاردة هتاكل من إيدي ولا خلاص أكلي مابقاش ينفع
ابتسم لها وهو يرد بنبرة دبلوماسية 
متقوليش كده ده انتي فيكي البركة يا عمتي !
هتفت بسعادة وهي ترفع بصرها للسماء 
ربنا يباركلك يا حبيبي ويعوضك خير يا رب !
ثم ربتت على ذراعه وهي تكمل بهدوء 
خش يالا اوضتك ارتاح فيها
أومأ برأسه وهو يقول بإيجاز 
حاضر
ولج مالك إلى داخل غرفته .. تأملها بنظرات طويلة ممعنة ..
كان كل شيء كما تركه لم يتغير فيها شيء ..
لقد حرصت عمته على الحفاظ على ترتيب غرفته ونظافتها حتى تظل كما هي .. معدة له حينما يعود في أي وقت ..
التوى ثغره بإبتسامة راضية ..
اتجه إلى شرفته ووقف بها ليستنشق الهواء المنعش 
استند بيديه على حافتي السور .. ولا إراديا إرتفعت عيناه للأعلى ليحدق بنافذتها ..
تناقض غريب في مشاعره جعله متخبطا في تفكيره في احساسه في قراراته ..
سنوات مرت ومازال شغفه بها موجودا رغم إنكاره لهذا ..
هو كره خيانتها خداعها لكن قلبه رفض الإنصات إليه .. كلما اقترب منها تجدد شعورها نحوها ..
رغم في مقاومة شعوره بالضعف نحوها وذكر نفسه بأنها خذلته ..
أخفض بصره لينظر إلى الطريق ..
فرأى عمرو وهو يخرج وبصحبته ذلك الرجل الذي رأه قبل قليل ..
دقق النظر فيهما واستمع إلى صوت عمرو المرتفع وهو يردد قائلا بعد مصافحته إياه 
متشكر يا دكتور تعبناك
رد عليه الطبيب بجدية 
متقوليش كده يا أستاذ عمرو ولو حصل حاجة كلمني أو خلي المدام ايثار تتصل بالعيادة وأنا هاجي على طول !
تابع عمرو قائلا وهو يربت على ظهره 
كتر خيرك يا دكتور اتفضل !
تنهد مالك بإرتياح لأن ذلك الرجل لم يكن زوجها ومع ذلك مازال يزعجه التفكير فيها بتلك الصورة المبالغة ..
......
الفصل الثالث والعشرون 
أستحلفك أن تتركيني ...
حطميني .. ادهسيني .. وإلى قطع صغيرة حوليني
ولكن بالله أن تتركي وريدي وشراييني 
_ كان المړض قد تمكن منه ليحول عظامه لفتات وقد ضعف قلبه ولم يعد يتحمل حتى عملية الإنقباض والإنبساط أثناء تنفسه ..
كان أحيانا يشعر بتوقف قلبه عن العمل ويستسلم لنهايته المحتومة ..
حالة من الفزع تجوب منزلهم الصغير خوفا من رحيله عنهم ولكنها السنة الحياتية
 

تم نسخ الرابط